تشهد المملكة العربية السعودية الآن ثورة تقنية هائلة في التحول الرقمي خصوصًا في قطاع التقنية المالية، علاوةً على ذلك، اتخذت المملكة العديد من الإجراءات لدعم وتطوير قطاع التمويل الرقمي، وتشجيع الابتكار والتنافسية فيه، بالإضافة إلى حفظ حقوق المستهلكين وضمان سلامة واستقرار النظام المالي.
يعد نظام الوساطة الرقمية جزءًا مهمًا من البنية التحتية للتمويل الرقمي، لذلك استحدث البنك المركزي السعودي "ساما" رخصة الوساطة الرقمية كأحد الأنشطة المساندة للتمويل. وتهدف هذه الخطوة إلى زيادة الثقة في هذا النظام وتعزيز الحماية للأطراف المشاركة.
يمتلك نشاط الوساطة الرقمية لجهات التمويل ميزة كبرى للشركات الناشئة في السعودية، إذ أنه لا يتطلب أموال كثيرة لبدء النشاط، كما أنه لا يحتاج إلى عدد كثير من المكاتب والموظفين مقارنة بالأنشطة التقليدية، لأنها تقوم بالأساس على إنشاء منصة رقمية لتسهيل التفاعل المباشر بين العميل وجهات التمويل.
وفي العام الجاري، اتسم المشهد في السوق السعودي باتخاذ القرارات الداعمة لنشاط الوساطة الرقمية لجهات التمويل في المملكة، ويتضح ذلك عبر منح التراخيص لبعض الشركات الناشئة؛ لذلك، تشير بعض التوقعات إلى أننا سنشهد زيادة في عدد الشركات العاملة في نشاط الوساطة الرقمية خلال 2024.
مفهوم الوساطة الرقمية
يتمثل دور الوساطة الرقمية في ربط العميل الذي يرغب في الحصول على تمويل مع جهات التمويل عبر منصات رقمية بناءً على وضعه الائتماني و ملائته الائتمانية، وتوفر هذه المنصات العديد من الخيارات التمويلية المتاحة. وأصدرت المملكة العربية السعودية قوانين ومعايير وإجراءات لتنظيم هذا النشاط الرقمي.
وفي الآونة الأخيرة، تم تطبيق الوساطة الرقمية في بعض القطاعات في السوق السعودي، مثل: الخدمات المصرفية والمالية، والتأمين، وكذلك الأسواق والمتاجر الإلكترونية. وعلى الرغم من ذلك، هناك بعض الصناعات الأخرى التي تنتظر إدراج الوساطة الرقمية لجهات التمويل لدعم التمكين المالي الرقمي في البلاد.
الشركات الناشئة 2023
خلال 2023، منح البنك المركزي السعودي "ساما" الترخيص لمزاولة نشاط الوساطة الرقمية لجهات التمويل في المملكة لـ 3 شركات ناشئة. ويؤكد ذلك على سعيه إلى دعم وتمكين قطاع التمويل، علاوةً على تحقيق أهداف رفع مستوى فاعلية التعاملات المالية ومرونتها، وكذلك جذب شريحة جديدة من المستثمرين والشركات التي تحقق قيمة مضافة، بل وتعزيز مستوى الشمول المالي في المملكة، ووصول الخدمات المالية إلى جميع شرائح المجتمع.
في مارس 2023، أعلن البنك المركزي السعودي عن منح الترخيص لشركة "مستقبل الإبداع" للوساطة الرقمية لممارسة نشاط الوساطة الرقمية لجهات التمويل في المملكة، وهي شركة مساهمة مغلقة ذات رأس مال مدفوع يبلغ 10,000,000 ريال سعودي، بحسب الموقع الإلكتروني للشركة.
وتسعى الشركة لتسهيل الحصول على التمويل للأفراد والمنشآت، بهدف تنمية الناتج القومي من خلال تسهيل الحصول على التمويل للمنشآت بسرعة وآمان وأسعار منافسة.
وفي سبتمبر 2023، منح البنك المركزي السعودي الترخيص لشركة ذكاء الحلول للوساطة الرقمية "أريب"، لمزاولة نشاط الوساطة الرقمية لجهات التمويل.
وأعلنت أريب، في العام الماضي، عن إغلاق جولة استثمارية قدرها 8.6 مليون ريال (2.3 مليون دولار) بقيادة "ميراك المالية". وتعد شركة "أريب" من أفضل 20 شركة ناشئة في المملكة حسب تقرير مسرعة الأعمال "مسك لريادة الأعمال" لعام 2022.
وأوضحت "أريب" أنها تسعى خلال الفترة المقبلة للاستحواذ على أكبر شريحة ممكنة من السوق السعودية وتلبية طموح العملاء، وأكدت على حرصها على مواكبة التغيرات المتسارعة في قطاع التمويل تحقيقاً لمستهدفات رؤية 2030 وبرنامج التحول الرقمي في المملكة.
وفي ديسمبر 2023، كشف البنك المركزي السعودي عن إصدار الترخيص لشركة "التفاعل الذكي" لمزاولة نشاط الوساطة الرقمية لجهات التمويل.
ضوابط وتعليمات
تسعى السعودية إلى تحقيق أهداف استراتيجية التقنية المالية لكي تكون في مصاف الدول الرائدة في مجال التقنية المالية، فضلاً عن دعم الابتكار في الخدمات المالية المعتمد على التقنية هو الأساس الذي يعزز التمكين الاقتصادي.
في مايو 2023، أصدر البنك المركزي السعودي تعليمات ممارسة نشاط الوساطة الرقمية، المتفرعة عن قواعد الترخيص للنشاطات المساندة لنشاط التمويل.
ونصت التعليمات على وضع الحد الأدنى من المعايير والإجراءات اللازمة لممارسة نشاط الوساطة الرقمية، بما يسهم في نمو النشاط واستدامته، دون إغفال مبادئ وقواعد حماية عملاء المؤسسات المالية وحقوقهم.
وتضمنت أيضاً حزمة من الأحكام والالتزامات، أهمها: متطلبات دقة المعلومات المقدمة وحفظها، والتزامات المنشأة كالتزام توفير قائمة تتضمن جهات التمويل المتعَامل معها؛ لتمكين العميل من الاطلاع عليها واختيار الأنسب، إضافةً إلى وضع الحد الأدنى من متطلبات العقد المبرم بين المنشأة والعميل، والحد الأدنى من متطلبات العقد المبرم بين المنشأة وجهة التمويل.
مستقبل الوساطة الرقمية
تستهدف السعودية أن تكون الوجهة الأولى للاستثمارات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويتضح ذلك في جهودها لتعزيز التجارة الإلكترونية، وتمكين رواد الأعمال في مجال التقنيات الرقمية، إضافةً إلى تسهيل الإجراءات الحكومية لتعزيز مشاركة القطاع الخاص في التحول الرقمي.
وبحسب تقرير الاقتصاد الرقمي في قارة آسيا 2023، فقد تجاوزت قيمة الاقتصاد الرقمي في السعودية 100 مليار دولار. ومن المتوقع أن تتجاوز التجارة الإلكترونية في السعودية 15 مليار دولار بحلول عام 2025، كما يتوقع أن ترتفع المبيعات عبر الإنترنت بنسبة 60% في المتوسط سنوياً.
كل هذا يشير إلى أن العام الجديد قد يحمل العديد من الفرص للشركات الناشئة السعودية. لذلك، يتعين على رواد الأعمال السعوديين وأصحاب الشركات الناشئة اقتناص هذه الفرصة ودراسة السوق جيداً، واستهداف العملاء المناسبين، وإجراء دراسات اجتماعية عن سلوك العملاء، ودراسات سوقية عن العملاء التجاريين والصناعيين، كل هذا سيساعدهم في ابتكار منتجات تمويلية جديدة تلبي الطلب المتنامي من قبل العملاء.
بالنظر إلى الدول الأخرى التي نجحت في دعم نشاط الوساطة الرقمية لجهات التمويل، مثل الولايات المتحدة الأميركية والهند، يتضح لنا أن هذا النشاط لديه القدرة على تغيير المشهد المالي الرقمي في المملكة، مما يوفر فوائد كبيرة للأفراد والشركات، بل ويحقق أهداف رؤية المملكة 2030.
